"يعجز اللسان إذا ما أردنا أن نسرد و لو بإيجاز عما يتعلق بحياة هذا القديس العظيم و أبو الرهبان الذي أنار العالم بسيرته و فضائله و لا يزال إلى يومنا هذا نهجه متبع و ها نرى بفضله الرهبان في ازدياد مستمر. فتقبلوا مني هذا الفصل المتواضع عن أبينا البار أنطونيوس الكبير"
إن أنطونيوس زعيم أهل العيشة الرهبانية المتوحدين ولد في مصر سنة 251 و كان أبوه حسن العبادة.
و إذ سمع وقتا ما الصوت الإنجيلي القائل "إن كنت تريد أن تكون كاملا فاذهب و بع كل شيء لك و أعطه للمساكين"أجرى ذلك للحال بالفعل. فإنه وزع كل ما كان يملك على المساكين و ذهب إلى البرية متخلصا من كل شقاء في العالم.
و إن التجارب التي أصابته هناك متواترة في مدة عشرين سنة تكاد لا تصدق و جهاداته النسكية في النهار و الليل التي أمات بها جماح الأهواء حتى بلغ إلى درجة عدم الشعور بها تفوق حدود الطبيعة.
و صيت أعماله الفاضلة قاد جماً غفيراً إلى الاقتداء به حتى أضحت البرية نظير مدينة. و كان هو زعيم أهل هذه المدينة الحديثة العمار و الواضع الناموس لهم و مروضهم. و قد تمتعت مدن العالم أيضا بأثمار فضيلته. فانه إذ كان المسيحيون يضطهدون و يماتون على عهد مكسمينس سنة 312 بادر هو إلى إغاثتهم و تعزيتهم. و لما كانت الكنيسة مضطربة يزعجها الآريوسيون انحدر إلى الإسكندرية سنة 335 و ناضل بإزائهم عن استقامة الرأي.
و قاد كثيرين حينئذ من غير المؤمنين إلى الإيمان بالمسيح بقوة أقواله. و على هذه الطريقة قضى حياته إلى أن توفي. و قد عاش 104 سنين و غدا قدوة في الفضيلة و نموذجا للمتوحدين و كانت وفاته في 17 من شهر كانون الثاني سنة 356.
من بعض أقواله:
رأس الحكمة مخافة الله كما أن الضوء إذا دخل إلى بيت مظلم طرد ظلمته و أناره هكذا خوف الله إذا دخل قلب الإنسان طرد عنه الجهل و علمه كل الفضائل و الحكم.
إن أول كل شيء هو أن تصلي بلا ملل و اشكر الله على كل ما يأتي عليك.
تعيد له الكنيسة في 17 كانون الثاني.
لقد أحببتنا أيّها المسيح الإله و قدّمت حياتك خلاصاً لحياتنا، فبماذا نكافيك و أنت المُفيض النِعم و الخير و البركات على الجميع. ليس لدينا إلّا هذه القلوب الصغيرة المُحبّة إقبلها منّا و أملأها من فيضِ محبّتِك، فنستطيع المسير على خطاك في البذل و التضحية و التجرّد الكامل على مثال قدّيسيك الذين أرضوك منذ الدهر. بشفاعات القدّيس أنطونيوس يا مخلّص خلّصنا.
ردحذف